فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنا فتحا لك فتحًا مبينًا} قال: فتح مكة.
وأخرج ابن عساكر من طريق أبي خالد الواسطي عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ذات يوم بغلس وكان يغلس ويسفر ويقول: ما بين هذين وقت لكيلا يختلف المؤمنون فصلّى بنا ذات يوم بغلس فلما قضى الصلاة التفت إلينا كأن وجهه ورقة مصحف، فقال: أفيكم من رأى الليلة شيئًا؟ قلنا: لا يا رسول الله. قال: لكني رأيت ملكين أتياني الليلة فأخذا بضبعي فانطلقا بي إلى السماء الدنيا فمررت بملك وأمامه آدمي وبيده صخرة فيضرب بهامة الآدمي فيقع دماغه جانبًا وتقع الصخرة جانبًا. قلت: ما هذا؟ قالا لي: أمضه. فمضيت فإذا أنا بملك وأمامه آدمي وبيد الملك كلوب من حديد فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه حتى ينتهي إلى أذنه ثم يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن قلت: ما هذا؟ قالا: أمضه. فمضيت فإذا أنا بنهر من دم يمور كمور المرجل على فيه قوم عراة على حافة النهر ملائكة بأيديهم مدرتان كلما طلع طالع قذفوه بمدرة فيقع في فيه ويسيل إلى أسفل ذلك النهر، قلت: ما هذا؟ قالا: أمضه فمضيت فإذا أنا ببيت أسفله أضيق من أعلاه فيه قوم عراة توقد من تحتهم النار أمسكت على أنفي من نتن ما أجد من ريحهم، قلت: من هؤلاء؟ قالا: أمضه. فمضيت فإذا أنا بتل أسود عليه قوم مخبلون تنفخ النار في أدبارهم فتخرج من أفواههم ومناخرهم وآذانهم وأعينهم قلت: ما هذا؟ قالا: أمضه، فمضيت فإذا أنا بنار مطبقة موكل بها ملك لا يخرج منها شيء إلا أتبعه حتى يعيده فيها، قلت: ما هذا؟ قالا لي: أمضه، فمضيت فإذا أنا بروضة وإذا فيها شيخ جميل لا أجمل منه وإذا حوله الولدان وإذا شجرة ورقها كآذان الفيلة فصعدت ما شاء الله من تلك الشجرة وإذا أنا بمنازل لا أحسن منها من زمردة جوفاء وزبرجدة خضراء وياقوته حمراء. قلت: ما هذا؟ قالا: أمضه. فمضيت، فإذا أنا بنهر عليه جسران من ذهب وفضة على حافتي النهر منازل لا منازل أحسن منها من درة جوفاء وياقوته حمراء وفيه قدحان وأباريق تطرد قلت: ما هذا؟ قالا لي: أنزل فنزلت فضربت بيدي إلى إناء منها فغرفت ثم شربت فإذا أحلى من عسل، وأشد بياضًا من اللبن وألين من الزبد، فقالا لي: أما صاحب الصخرة التي رأيت يضرب بها هامته فيقع دماغه جانبًا وتقع الصخرة جانبًا، فأولئك الذين كانوا ينامون عن صلاة العشاء الآخرة ويصلون الصلاة لغير مواقيتها يضربون بها حتى يصيروا إلى النار، وأما صاحب الكلوب الذي رأيت ملكًا موكلًا بيده كلوب من حديد يشق شدقه الأيمن حتى ينتهي إلى أذنه ثم يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن فأولئك الذين كانوا يمشون بين المؤمنين بالنميمة فيفسدون بينهم فهم يعذبون بها حتى يصيروا إلى النار، وأما ملائكة بأيديهم مدرتان من النار كلما طلع طالع قذفوه بمدرة فتقع في فيه فينفتل إلى أسفل ذلك النهر فأولئك أكلة الربا يعذبون حتى يصيروا إلى النار، وأما البيت الذي رأيت أسفله أضيق من أعلاه فيه قوم عراة تتوقد من تحتهم النار أمسكت على أنفك من نتن ما وجدت من ريحهم، فأولئك الزناة وذلك نتن فروجهم يعذبون حتى يصيروا إلى النار، وأما التل الأسود الذي رأيت عليه قومًا مخبلين تنفخ النار في أدبارهم فتخرج من أفواههم ومناخرهم وأعينهم وآذانهم فأولئك الذين يعملون عمل قوم لوط الفاعل والمفعول به، فهم يعذبون حتى يصيروا إلى النار وأما النار المطبقة التي رأيت ملكًا موكلًا بها كلما خرج منها شيء أتبعه حتى يعيده فيها، فتلك جهنم تفرق بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الروضة التي رأيت فتلك جنة المأوى، وأما الشيخ الذي رأيت ومن حوله من الولدان فهو إبراهيم وهم بنوه. وأما الشجرة التي رأيت فطلعت إليها فيها منازل لا منازل أحسن منها من زمردة جوفاء وزبرجدة خضراء وياقوته حمراء فتلك منازل أهل عليين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. وأما النهر فهو نهرك الذي أعطاك الله الكوثر، وهذه منازلك وأهل بيتك. قال: فنوديت من فوقي يا محمد سل تُعْطه، فارتعدت فرائصي ورجف فؤادي واضطرب كل عضو مني ولم أستطع أن أجيب شيئًا فأخذ أحد الملكين بيده اليمنى، فوضعها في يدي والآخر يده اليمنى فوضعها بين كتفي فسكن ذلك مني ثم نوديت من فوقي: يا محمد سل تعط. قال: قلت: اللهم إني أسألك أن تثبت شفاعتي وأن تلحق بي أهل بيتي وأن ألقاك ولا ذنب لي قال: ثم ولي بي ونزلت عليه هذه الآية {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطًا مستقيمًا} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فكما أعطيت هذه كذلك أعطانيها إن شاء الله تعالى».
وأخرج السلفي في الطيوريات من طريق يزيد بن هارون رضي الله عنه قال: سمعت المسعودي رضي الله عنه يقول: بلغني أن من قرأ أول ليلة من رمضان {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} في التطوع حفظ ذلك العام.
قوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم} الآية.
وأخرج ابن المنذر عن عامر وأبي جعفر رضي الله عنه في قوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك} قال: في الجاهلية {وما تأخر} قال: في الإِسلام.
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان رضي الله عنه قال: بلغنا في قول الله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} قال: ما تقدم ما كان في الجاهلية، وما تأخر: ما كان في الإِسلام ما لم يفعله بعد.
وأخرج ابن سعد عن مجمع بن جارية رضي الله عنه قال: لما كنا بضجنان رأيت الناس يركضون، وإذا هم يقولون: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركضت مع الناس حتى توافينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقرأ {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} فلما نزل بها جبريل عليه السلام قال: ليهنك يا رسول الله، فلما هنأه جبريل عليه السلام هنأه المسلمون.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} الآية، اجتهد في العبادة فقيل يا رسول الله: ما هذا الإِجتهاد؟ وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟».
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} صام وصلّى حتى انتفخت قدماه، وتعبد حتى صار كالشن البالي، فقيل له: أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن الحسن رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم تأخذه العبادة حتى يخرج على الناس كالشن البالي فقيل له: يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»؟.
وأخرج ابن عساكر عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تفطر قدماه فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟».
وأخرج أبو يعلى وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي حتى تورمت قدماه فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟».
وأخرج ابن عساكر عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حتى ترم قدماه.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟».
وأخرج الحسن بن سفيان وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه، قلت يا رسول الله: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟».
وأخرج ابن عساكر عن أحمد بن إسحق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط الأشجعي رضي الله عنه قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى حتى تورمت قدماه، فقيل له يا رسول الله: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟».
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال: تعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار كالشن البالي، فقالوا: يا رسول الله، ما يحملك على هذا الإِجتهاد كله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل أربع ركعات ثم يتروح، فطال حتى رحمته، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟».
أما قوله تعالى: {وينصرك الله نصرًا عزيزًا}.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {وينصرك الله نصرًا عزيزًا} قال: يريد بذلك فتح مكة وخيبر والطائف.
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} قال: السكينة هي الرحمة في قوله: {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم} قال: إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله فما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدقوا بها زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها، زادهم الصيام، فلما صدقوا به زادهم الحج، فلما صدقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم فقال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإِسلام دينًا} [المائدة: 3] قال ابن عباس رضي الله عنهما: فأوثق إيمان أهل السماء وأهل الأرض وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم} قال: تصديقًا مع تصديقهم.
{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}.
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أنس رضي الله عنه قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} مرجعه من الحديبية فقال: «لقد أنزلت عليَّ آية هي أحب إلي مما على الأرض» ثم قرأها عليهم فقالوا: هنيئًا مريئًا يا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بك فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} حتى بلغ {فوزًا عظيمًا}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: لما رجعنا من الحديبية وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قد خالطوا الحزن والكآبة حيث ذبحوا هديهم في أمكنتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنزلت عليَّ ضحى آية هي أحب إلي من الدنيا جميعًا ثلاثًا» قلنا: ما هي يا رسول الله؟ فقرأ {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} الآيتين قلنا: هنيئًا لك يا رسول الله فما لنا؟ فقرأ {ليدخل المؤمنين والمؤمنات} الآية فلما أتينا خيبر فأبصروا خميس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني جيشه أدبروا هاربين إلى الحصن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين».
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} الآية قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئًا لك ما أعطاك ربك، هذا لك فما لنا؟ فأنزل الله {ليدخل المؤمنين والمؤمنات} إلى آخر الآية. اهـ.

.تفسير الآيات (8- 10):

قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تبين أنه ليس لغيره مدخل في إيجاد النصر، وكانت السورة من أولها حضرة مخاطبة وإقبال فلم يدع أمر إلى نداء بياء ولا غيرها.
وكان كأنه قيل: فما فائدة الرسالة إلى الناس؟ أجيب بقوله تقريرًا لما ختم به من صفتي العزة والحكمة.
{إنا} بما لنا من العزة والحكمة {أرسلناك} أي بما لنا من العظمة التي هي معنى العزة والحكمة إلى الخلق كافة {شاهدًا} على أفعالهم من كفر وإيمان وطاعة وعصيان، من كان بحضرتك فبنفسك ومن كان بعد موتك أو غائبًا عنك فبكتابك، مع ما أيدناك به من الحفظة من الملائكة.
ولما كانت البشارة محبوبة إلى النفوس رغبهم فيما عنده من الخيرات وحببهم فيه بصوغ اسم الفاعل منها مبالغة فيه فقال تعالى: {ومبشرًا} أي لمن أطاع بأنواع البشائر.
ولما كانت لنذارة كريهة جدًا، لا يقدم على إبلاغها إلا من كمل عرفانه بما فيها من المنافع الموجبة لتجشم مرارة الإقدام على الصدع بها، أتى بصيغة المبالغة فقال تعالى: {ونذيرًا}.
ولما ذكر حال الرسالة، ذكر علتها فقال: {لتؤمنوا} أي الذين حكمنا بإيمانهم ممن أرسلناك إليهم- هذا على قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالغيب، وعلى قراءة الباقين بالخطاب المعنى.
أيها الرسول ومن قضينا بهداه من أمته، مجددين لذلك في كل لحظة مستمرين عليه، وكذا الأفعال بعده، وذلك أعظم لطفًا لما في الأنس بالخطاب من رجاء الاقتراب {بالله} أي الذي لا يسوغ لأحد من خلقه- والكل خلقه- التوجه إلى غيره لاستجماعه لصفات الجلال والإكرام {ورسوله} الذي أرسله من له كل شيء ملكًا وملكًا إلى جميع خلقه.
ولما كان الإيمان أمرًا باطنًا، فلا يقبل عند الله إلا بدليل، وكان الإيمان بالرسول إيمانًا بمن أرسله، والإيمان بالمرسل إيمانًا بالرسول، وحد الضمير فقال: {ويعزروه} أي يعينوه ويقووه وينصروه على كل من ناواه ويمنعوه عن كل من يكيده، مبالغين في ذلك باليد واللسان والسيف، وغير ذلك من الشأن فيؤثروه على أنفسهم وغيرها، تعظيمًا له وتفخيمًا- هذا حقيقة المادة، وما خالفه فهو إما من باب الإزالة كالعزور بمعنى الديوث، وإما من باب الأول كاللوم والضرب دون الحد، فإنه يوجب للملوم والمضروب وتجنب ما نقم عليه فيعظم، فهو من إطلاق الملزوم على اللازم، وهو من وادي ما قيل:
عداي لهم فضل عليّ ومنة ** فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا

هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ** وهم نافسوني فاقتنيت المعاليا

ولما كان المعنى يحتمل الإزالة كما ذكر، خلص المراد بقوله: {ويوقروه} أي يجتهدوا في حسن اتباعه في تبجيله وإجلاله بأن يحملوا عنه جميع الأثقال، ليلزم السكينة باجتماع همه وكبر عزمه لزوال ما كان يشعب فكره من كل ما يهمه {ويسبحوه} أي ينزهوه عن كل وصمة من إخلاف الوعد بدخول مكة والطواف بالبيت الحرام ونحو ذلك، ويعتقدوا فيه الكمال المطلق، والأفعال الثلاثة يحتمل أن يراد بها الله تعالى، لأن من سعى في قمع الكفار فقد فعل فعل المعزر الموقر، فيكون إما عائدًا على المذكور وإما أن يكون جعل الاسمين واحدًا إشارة إلى اتحاد المسميين، في الأمر فلما اتحد أمرها وحد الضمير إشارة إلى ذلك.